عربي وعالمي
أخر الأخبار

دول الاتحاد السوفيتي لا تهدأ .. أزمة قانون التمويل الأجنبي تشعل جورجيا | والصدامات تصل إلى الشارع

لا تكاد تندلع أزمة في أوروبا الشرقية، ويبدأ العالم في محاولة استيعابها، حتى تظهر أزمة أخرى، وفي أحدث قلاقل  دول الاتحاد السوفيتي السابق، تشهد دولة جورجيا أزمة كبرى، وذلك في ظل احتجاجات شعبية صاخبة ضد قانون يهدف لمراقبة التمويل الأجنبي داخل البلاد، وهو جدل بدأ منذ سنة تقريبا عند طرح القانون للرأي العام، ثم تصاعد خلال الأيام القليلة الماضية مع بدء البرلمان في مناقشته، وتمرير عدة إجراءات تشريعية تمهيدا لإصداره، وهو الأمر الذي أجج الشارع الجورجي، وشهدت الشوارع صدامات مع الشرطة، واعتقال العشرات، فيما تشهد السلطة الحاكمة انقساما شديدا حول القانون، ولا تزال الأزمة مشتعلة، وتلك هي القصة الكاملة لتلك الأحداث الصاخبة.

 

 

تلك هى جورجيا 

وجورجيا دولة ذات سيادة في منطقة جنوب القوقاز، بغرب آسيا، يحدها من الغرب البحر الأسود، ومن الشمال روسيا، ومن الجنوب تركيا وأرمينيا، وأذربيجان من الشرق، وفي بداية القرن التاسع عشر، الحقت جورجيا بالإمبراطورية الروسية بعد فترة قصيرة من الاستقلال تلت الثورة الروسية عام 1917، وقد اجتاحت الجيوش البلشفية جورجيا عام 1921 وضمتها للاتحاد السوفييتي عام 1922، ثم استعادت جورجيا استقلالها عام 1991، ومثلها مثل العديد من الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفييتي، عانت جورجيا من أزمة اقتصادية واضطرابات داخلية خلال التسعينات، ثم برزت بعد ثورة الزهور قيادة سياسة قدمت إصلاحات ديمقراطية، لكن الاستثمارات الأجنبية والنمو الاقتصادي الذي حل مباشرة بعد الثورة تباطأ منذ تلك الحين.

شهد عام 2008 نزاعاً عسكرياً بين جورجيا من جهة، وروسيا، والجمهوريات الانفصالية في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا من جهة أخرى، وحشدت كل من جورجيا وروسيا قوات عسكرية كبيرة على مقربة من حدودهما مع أوسيتيا الجنوبية، وبعد حرب واقتحامات للحدود تراجعت جورجيا عن حملتها العسكرية على الأراضي التي تعتبرها محتلة من قبل روسيا، وبعد مداهمة عدة مدن جورجية تراجع الجيش الروسي مرة أخرى، وتوقفت الحرب عند ذلك.

وتعد جورجيا جمهورية ديمقراطية نصف رئاسية، حيث الرئيس هو رأس هرم الترتيب السياسي، ورئيس مجلس الوزراء رئيس للحكومة، تتألف السلطة التنفيذية من رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء الجورجي. يرأس مجلس الوزراء رئيس الوزراء، ويعينهم رئيس الجمهورية، والجدير بالذكر أن كلا من وزيري الدفاع والداخلية ليسا عضوين في مجلس الوزراء ويتبعان مباشرة لرئيس جمهورية جورجيا.

قانون التأثير الأجنبي – تشريع التأثير الروسي 

ويبدو أن القانون الذي يحارب التأثير الأجنبي في البلاد، في الأصل قانون مستوحى من التأثير الروسي، فبحسب ما نشرته العديد من الصحف الدولية، فإن “قانون العملاء الأجانب” أو “التأثير الأجنبي” المثير للجدل، والذي اعتمد في قراءة أولى من قبل برلمان البلاد، يهدد بتقويض مسار الدولة القوقازية نحو التكامل الأوروبي الأطلسي، إذ ينص مشروع القانون الذي قدمه حزب “السلطة للشعب” في 29 ديسمبر الماضي على إنشاء سجل لـ “عملاء النفوذ الأجنبي”، وتنص الوثيقة على إدخال “تعريف وكيل النفوذ الأجنبي” في النظام القانوني الوطني وتنص على “المشاركة المباشرة للدولة في مختلف العمليات المتعلقة بالامتيازات الممنوحة للأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين الذين يتلقون تمويلا أجنبيا”.

في المقابل، يعارض المتظاهرون القانون الذي يتعلق بـ”شفافية التمويل الأجنبي” إذ يقول منتقدوه إنه يشبه قانونا روسيا يستهدف “العملاء الأجانب”، ففي سنة 2012، تبنت روسيا قانونا يسمح للسلطات بقمع منظمات غير حكومية ووسائل إعلام و”عملاء أجانب”، والتصنيف في روسيا الذي يذكر بعبارة “عدو الشعب” العائدة للحقبة السوفياتية، استخدمته السلطات الروسية بشكل مكثف ضد معارضين وصحافيين ونشطاء في مجال حقوق الإنسان، اتهموا بممارسة أنشطة سياسية بتمويل أجنبي.

وبحسب التشريع الروسي الذي أدخلت عليه تعديلات مؤخرا يمكن اعتبرا كل شخص “خاضع لتأثير أجنبي” أو يتلقى دعما من الخارج، ليس فقط تمويلا خارجيا، “عميلا أجنبيا”، وكان حزب الحلم الجورجي الحاكم قد اضطر إلى إسقاط إجراء مماثل قبل عام، في أعقاب موجة ضخمة من الاحتجاجات في الشوارع شهدت استخدام الشرطة للغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه ضد المتظاهرين.

 

صدام في السلطة  –  صدام في الشارع 

وبالتأكيد الانقسام داخل السلطة، سوف يؤدي إلى صدام في الشارع، كيف لا، والخلاف وصل بين رئيس الجمهورية ووزير داخليته، فقد أعلنت السلطات في جورجيا، عن توقيف 63 متظاهراً من المؤيدين لأوروبا، وذلك خلال تجمع ليلي قمعته الشرطة بالقوة مساء الأربعاء، وقد نُظم احتجاجاً على مشروع قانون بشأن “العملاء الأجانب”، فيما هددت رئيسة البلاد سالومي زورابيشفيلي باللجوء إلى حق النقض “الفيتو” لمنع تمرير القانون المثير للجدل، وتشهد هذه الدولة السوفيتية السابقة الواقعة في القوقاز، انقسام كبير في السلطة، وقد انتقل ذلك إلى الشارع، وقام المتظاهرون بعرقلة حركة المرور أمام البرلمان في شارع روستافيلي، العصب الرئيسي في تبليسي، وكذلك على العديد من الطرق المهمة الأخرى في المدينة، وفي وقت مبكر من صباح الأربعاء، أقام المتظاهرون حواجز أمام مبنى البرلمان بعد مغادرة شرطة مكافحة الشغب، فيما نصب بعض المتظاهرين حواجز أمام مبنى البرلمان بعد مغادرة شرطة مكافحة الشغب.

شهدت البلاد تظاهرات حاشدة مناهضة للحكومة منذ 9 أبريل الماضي، عندما أعاد حزب “الحلم الجورجي” الحاكم تقديم مشروع قانون بشأن “العملاء الجانب” يعتبر مخالفاً لطموحات تبليسي في الانضمام الى الاتحاد الأوروبي، وتدخل عناصر ملثمون من شرطة مكافحة الشغب، بدون تحذير، مستخدمين الغاز المسيل للدموع والأعيرة المطاطية كما تعرّضوا بالضرب المشاركين في التحرك المناهض لمشروع القانون وأوقفوا عشرات منهم، فيما تعرض النائب ليفان خابيشفيلي رئيس الحركة الوطنية المتحدة، حزب المعارضة الرئيسي بزعامة الرئيس السابق المسجون ميخائيل ساكاشفيلي، لضرب مبرح واحتاج لتلقي العلاج، إذ بثت قنوات تلفزيونية محلية صوراَ تظهر وجهه وعليه كدمات.

بدورها، أكدت وزارة الداخلية أن أفراد الشرطة لجأت استخدموا للقوة “بشكل مشروع”، لأن التظاهرات “أصبحت عنيفة” معلنة توقيف 63 شخصاً بتهمة “عصيان الشرطة وارتكاب أعمال شغب”، فيما طالب الحقوقي الجورجي، ليفان يوسلياني، بإجراء تحقيق في استخدام “القوة غير المتناسبة” ضد المتظاهرين والصحافيين، وبدورها، قالت الرئيسة الجورجية، سالومي زورابيشفيلي، المعارضة للحزب الحاكم “أدعو وزير الداخلية إلى الوقف الفوري لقمع التجمع السلمي واستخدام القوة غير المتناسبة والعنف ضد الشباب”.

موجة غضب غربية 

أعقبت القلاقل التي تشهدها جورجيا موجة غضب أوروبية كبرى، ففي حين، أدان وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، “بشدة أعمال العنف” التي مارستها قوات الأمن الجورجية بحق المتظاهرين، معتبراً أن “اللجوء إلى القوة لقمعهم أمر غير مقبول”، فيما اعتبر رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل أن النص “لا يتوافق مع رغبة جورجيا في أن تصبح عضواً في الاتحاد الأوروبي”، كما انتقد المحامي العام في جورجيا، ليفان إيوسيلياني، رد فعل الشرطة ودعا إلى إجراء تحقيق، قائلاً إن “الاحتجاجات  ضد القانون كانت ذات طابع سلمي ولا يوجد سبب لوقفها واستخدام القوة ضدها”.

حض هؤلاء جورجيا على إسقاط القانون، محذرين من أنه لا يتوافق مع طموح الدولة القوقازية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، بدورها، قالت الشرطة، إن الاعتقالات وقمع المتظاهرين، جاءت لمنعهم من إغلاق مبانٍ حكومية، إذ اندلعت الاشتباكات، بينما كان المشرعون يدرسون مشروع قانون بشأن “شفافية النفوذ الأجنبي” الذي انتقدته الولايات المتحدة و الاتحاد الأوروبي باعتباره “مشابهاً” للقانون الذي استخدمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لـ”قمع منظمات المجتمع المدني وخنق المعارضين”.

جدل كبير مستمر.. 3 قراءات وموافقة الرئيس لإقرار القانون

ويبدو أن الجدل سوف يستمر لفترة كبيرة، وأن إقرار القانون محل شك كبير، فقد ناقش النواب الجورجيون، في قراءة ثانية مشروع القانون الذي يأمل الحزب الحاكم تمريره بحلول منتصف مايو الجاري، ولكن لا يزال يفترض أن يخضع مشروع القانون لثلاث قراءات في البرلمان وأن تصادق عليه الرئاسة، كما من المتوقع أن تستخدم الرئيسة الجورجية حق النقض “الفيتو” لمنعه، لكن الحزب الحاكم لديه مقاعد كافية في البرلمان لتجاوزه.

اندلعت الاحتجاجات وأعمال العنف، بعد يوم من هجوم الملياردير مؤسس حزب “الحلم الجورجي”، بيدزينا إيفانيشفيلي، على الغرب وزعم أن القوى الأجنبية التي وصفها بأنها “حزب حرب عالمي” تحاول الإطاحة بالحكومة من خلال الاستعانة بالمنظمات غير الحكومية، وأثار القانون انقساماً عاماً بين زورابيشفيلي، والحزب الذي أسسه الملياردير، بيدزينا إيفانيشفيلي، أغنى رجل في جورجيا، عندما تم اقتراحه لأول مرة في مارس العام الماضي 2023.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *